وشبهتهم في ذلك: أن الناس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان من أظهر منهم الإسلام والإيمان بلسانه فهو من جملة المسلمين، وهذا واقع فعلاً، لذلك قالوا: نحن لا نجعل الإيمان ما في القلب؛ لأن ما في القلب خفي لا يطلع عليه، فبذلك ندخل في الإسلام أناساً ليسوا مسلمين، لكن نحكم كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحكم، فكان كل من أظهر الإسلام فالنبي صلى الله عليه وسلم والصحابة المؤمنون يعدونه منهم، فما دام أنه يقر بلسانه ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه يصير مؤمناً، وهذا كلام كثير من الناس اليوم، وكل هذه المذاهب لها أصول في واقعنا اليوم، هذا كلام
الكرامية .ومذهب
الكرامية كان موجوداً ثم انقرض، و
ابن كرام صاحب هذا المذهب كان في القرن الثالث، وفساد هذا القول واضح، فهذه شبهة وليست دليلاً، وفسادها ظاهر وهي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (
أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا: أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله )، فنقول لهم: إن الذي كان يجاهد النبي صلى الله عليه وسلم عليه الناس هو: أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فعليهم أن يأتوا بالركن الأول، ويأتوا بالركن الثاني كذلك وهو إقامة الصلاة، وأن يأتوا بالركن الثالث وهو إيتاء الزكاة، لذلك قال
الشافعي رحمه الله: أعظم حجة على
المرجئة هي قول الله تعالى: ((
وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ))[البينة:5] فهذه الشهادة والتوحيد، ((
وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ))[البينة:5]، ولما أنزل الله تبارك وتعالى سورة براءة وفيها الفصل الحاسم بين عهد الشرك وعهد الإيمان، وأصبح لا خيار لأحد: فإما أن يسلم أو يقتل خصوصاً من العرب؛ قال الله تبارك وتعالى فيها: (فَإِنْ تَابُوا) أي: من الشرك إلى التوحيد، ((
وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ))[التوبة:5]، وفي الآية الأخرى: ((
فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ))[التوبة:11].إذاً فكل هذه الأدلة تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعطي الحكم الظاهر لمجرد قول: (لا إله إلا الله)، وإنما كان يلزم أيضاً بهذين الركنين وهما: إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأما الركنان الآخران فلم يلزم بهما، ولم يذكرا في الحديث؛ لأن الصوم عبادة خفية لا نطلع عليه، فلو نوى بقلبه أنه مفطر لم ينفعه الإمساك، ولو أكل لم يعلم أحد، وأما الحج فإنما يجب مرة واحدة في العمر، وبحسب الاستطاعة، وفي الصيام أيضاً يجوز للرجل أن يطعم عنه إذا كان ممن أعذره الله، وأما الزكاة فتؤخذ من كل صاحب مال ولو كان مريضاً، ولو كان مجنوناً، ولو كان صغيراً؛ فهي حق لله تعالى في المال، والصلاة لا بد أن يصلي: إما قائماً، أو قاعداً، أو على جنب.